الأعمال الفلسفية
رسالة في التسامح | الجزء الثالث
ترجمة:
عبد الكريم ناصيف
يشكّل التسامح قيمة إنسانية جوهرية، تتجلى في مختلف جوانب الحياة: الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والأخلاقية. فهو مفتاح التعايش السلمي والضمانة الأساسية لتحقيق السعادة والعدالة داخل المجتمعات دون تمييز. في أوقات الأزمات والصراعات، يبرز التسامح كحل حتمي للخروج من دوامة العنف والانقسام.
تعد ”رسالة في التسامح“ للفيلسوف جون لوك، التي نُشرت عام 1689، واحدة من أهم النصوص المؤسسة لفكر التسامح الديني، حيث انطلقت من واقع أوروبي مضطرب شهد صراعات دينية وفكرية حادة. يرى لوك أن التسامح ليس مجرد فضيلة، بل ضرورة لبناء مجتمع متوازن، وهو يستند إلى ثلاث ركائز أساسية: الخلاص الفردي، ودور الدين، والحاكم المدني، مؤكدًا أن الإيمان أمر شخصي لا يمكن فرضه بالقوة، وأن الحرية الدينية هي أساس السلم الاجتماعي.
في عالمنا اليوم، حيث تتفاقم النزاعات وتتسع الهوة بين الأفراد والمجتمعات، تكتسب أفكار جون لوك أهمية مضاعفة. إنها دعوة لإعادة النظر في مفاهيم التسامح، ليس فقط في الإطار الديني، بل في جميع مجالات الحياة، لتعزيز الحوار، ونشر قيم المحبة والسلام، والبحث عن القواسم المشتركة التي تجمع البشر بعيدًا عن الخلافات والصراعات.